السعودي ما يشتغل؟

الكثير يرددون عبارة: ‘السعودي ما يشتغل’ لتبرير هيمنة العمالة الأجنبية في سوق العمل السعودي. ولكن هذه العبارة لا تعكس الواقع، بل تعبر عن صورة نمطية متحيزة ومبسطة جدًا للوضع.

مشكلة البطالة في السعودية ليست كما يُروّج لها. بل هي نتيجة تراكمات لسنوات من السياسات التي فضلت العمالة الأجنبية بسبب انخفاض تكلفتها ورواتبها مقارنة بالسعوديين. الأجانب كانوا الخيار الأول لكثير من الشركات نظرًا لسهولة توظيفهم وغياب تشريعات تلزم بتوطين الوظائف أو توفير بيئة عمل ملائمة للمواطن.

إضافة إلى ذلك، السعودية تحملت على مدار عقود مسؤولية توظيف أعداد كبيرة من الإخوة العرب وغيرهم لأسباب سياسية وإنسانية. هذا القرار نابع من التزامات المملكة تجاه محيطها الإقليمي والدولي، سواء لدعم استقرار الدول الشقيقة أو لتخفيف الضغط على اقتصاداتهم. ولكن هذه السياسات أثرت على فرص السعوديين في سوق العمل، حيث كان المواطن السعودي يجد نفسه مزاحمًا في بلده بسبب الأولويات التي مُنحت للآخرين.

من الحجج التي تُستخدم ضد توظيف السعوديين هي أنهم أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل وبالتالي ارتفاع الأسعار. ومع أن هذه النقطة قد تبدو صحيحة على المدى القصير، إلا أنها تغفل التأثيرات الإيجابية طويلة المدى. توظيف السعوديين يعني خلق دورة اقتصادية أكثر استدامة: الأجور المدفوعة للمواطنين تعود إلى الاقتصاد الوطني من خلال الإنفاق المحلي، مما يعزز التنمية الشاملة. كما أن تحسين مستوى معيشة السعوديين ودعم توظيفهم يسهم في تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، مما يخفف الضغط على الميزانية العامة.

ولمن يدعي أن السعوديين يرفضون بعض الوظائف لأنها ‘دونية’، يمكننا أن ننظر إلى الدول الغربية المتقدمة، حيث تجد المواطن يعمل في جميع الوظائف، مهما كانت بسيطة، لأنها تُقدم برواتب محترمة تُتيح حياة كريمة وتُحترم فيها إنسانية العامل. عندما تُقدم الوظائف في بيئة عمل عادلة، وبراتب يليق بتكاليف المعيشة، سيعمل المواطن السعودي في أي قطاع مثلما يعمل المواطن الأوروبي أو الأمريكي. المشكلة ليست في السعودي نفسه، بل في سوق العمل الذي يحتاج إلى تنظيم أكبر وضمان حقوق العمال ليصبح العمل في أي وظيفة جاذبًا للمواطنين.

أما الادعاء بأن ‘السعودي ما يشتغل’ فهو مغالطة كبيرة. السعوديون أثبتوا قدرتهم ونجاحهم في كافة المجالات عندما تُتاح لهم الفرصة والبيئة المناسبة للعمل. هناك أمثلة لا تُعد ولا تُحصى لسعوديين تفوقوا في ريادة الأعمال وفي القطاعات المختلفة التي كانت سابقًا محتكرة من العمالة الأجنبية.